كتب/ يعقوب السفياني 

 

يقول محمد أكرم العدلوني في كتابه القيم العمل المؤسسي: (إنّ العمل المؤسسي ذو أهمية بالغة لأنه ينقل العمل: من الفردية إلى الجماعية، ومن العفوية إلى التخطيط، ومن الغموض إلى الوضوح، ومن محدودية الموارد إلى تعددية الموارد، ومن التأثير المحدود إلى التأثير الواسع، ومن الوضع العرفي إلى الشرعية القانونية).

 

"على الانتقالي الجنوبي انتهاج سياسة ورؤية اقتصادية حقيقية قبل أن تضحي سيطرته العسكرية والأمنية ومكتسباته السياسية دون أهمية تذكر"

 

لا يخفى على أحد ما يمر به شعب الجنوب العربي من أزمات متتالية، وحرب اقتصادية وخدمية ضروس لم تنته فصولها بعد، وفي الوقت الذي انتصر فيه شعب الجنوب عسكرياً، لا زالت أوجه الانتصار الأخرى غير مكتملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولا زالت المرحلة طويلة أمام هذا الشعب الذي فوّض المجلس الانتقالي الجنوبي- بقيادة المناضل الجنوبي ورمز كفاحه المسلح/ عيدروس قاسم الزبيدي- لتحقيق أهدافه وتطلعاته.

 

يعاني الجنوب من سوء إدارة للموارد، والتي يذهب الريع الأكبر منها إلى جيوب المتنفذين وصناديق الشركات الأجنبية، خصوصاً الموارد النفطية، وهو الاستنزاف الذي بدأ منذ الوهلة الأولى لاجتياح الجنوب في عام ١٩٩٤، ولا زالت فصول هذا الاستنزاف مستمرة حتى اليوم بنسخ جديدة وأساليب ملتوية لا تنتهي، مقابل سياسة "عفوية" و "ثورجية" ينتهجها الانتقالي الجنوبي فيما يخص الجانب الاقتصادي من حربه ضد أعداء الجنوب، وهي السياسة التي تُضعفه كثيراً وتكبح جماحه نحو دولة جنوبية مستقلة، وتجعل انتصاراته على الساحة العسكرية والسياسية أقل مما هي عليه.

 

على الانتقالي الجنوبي انتهاج سياسة ورؤية اقتصادية حقيقية قبل أن تضحي سيطرته العسكرية والأمنية ومكتسباته السياسية دون أهمية تذكر، فالاقتصاد والرفاهية هما الغاية والسياسة والسيطرة هي الوسيلة، ولا يمكن للجنوب أن ينتصر بدون مشروع اقتصادي حقيقي قائم على مبادئ اقتصادية تتناسب مع المعطيات الجغرافية والاجتماعية للجنوب، ولا يمكن أنّ يتم إدارة المحافظات الجنوبية عبر العمل الثورجي والعشوائي أو معيار "النضال" الذي يصلح في الجوانب العسكرية فقط، بل يجب أن يبدأ الانتقالي الجنوبي في اعتماد "الكفاءة" "والقدرة  كمعايير" حقيقية.

 

الجنوب بحاجة إلى عمل مؤسسي يُجابه النهب المنظم الذي يمارسه أعداءه بحق ثرواته عبر أطرٍ مؤسسية خبيثة وتكاد تكون قانونية، ويجب أن يتّم سحب البساط من تحت أقدام أعداء الجنوب عبر السيطرة على موارده كافة من نفط وثروة سمكية وموانئ وضرائب وغيرها، وهو ما سيضمن إنقاذ الجنوب من براثن الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه جمهورية ما بعد عام ٩٠ الآن، والتي تتجه إلى هاوية سحيقة حسب تقديرات الخبراء وتحذيراتهم.

 

"إنَّنا في وسطٍ إقليمي ودولي براغماتي محض، يتخّذ المصلحة منظاراً ينظر عبره إلى كل المتغيرات من حوله، ولا أسس ثابتة للسياسات الدولية".

 

أصدر اللواء الزبيدي قراراً بتشكيل لجنة اقتصادية عليا، وهي اللجنة التي لم تحقق شيء يذكر، وكان وجودها مثل عدمها، ثم سمعنا مؤخراً عن تحركات لإعادة إحياء العمل النقابي الجنوبي والنقابات الجنوبية، ولا تعدو كل هذه الخطوات والتحركات عن كونها "مضيعة للوقت" في ظل أزمة خانقة يعيشها الجنوب قد تصل إلى ما لا يحمد عقباه، ولا تشكل هذه الخطوات اللانافعة أدنى خطر على النفوذ الاقتصادي والمؤسسي لمنظومة الاحتلال التي تستثمر حتى صخور وجبال الجنوب لصالحها الخاص، وعبر أدوات جنوبية لا يستبعد أن يكون بعضها مدسوساً في الانتقالي الجنوبي نفسه.

 

إنَّنا في وسط إقليمي ودولي براغماتي محض، يتخّذ المصلحة منظاراً ينظر عبره إلى كل المتغيرات من حوله، ولا أسس ثابتة للسياسات الدولية مهما تفوّه من يقودها بالأكاذيب العتيقة والمستهلكة، يقيس هذا العالم الكيانات الناشئة من مقياس واحد وهو: قدرتها على بناء الدولة والحفاظ على المصالح الدولية في منطقتها، وهو المقياس نفسه الذي استطاع نظام وحدة ١٩٩٤ أن يحكم الجنوب عبره رغم بطلان الوحدة التي تحولت لاحتلال متكامل الأركان، لكن العالم لم يكن يعنيه سوى أنَّ هذه الدولة الوليدة المشوهة قادرة على الاستمرار وضمان مصالحها بل اعطائها امتيازات  لا متناهية من ثروات وحقوق الأجيال.

 

"يُشكّل الاتحاد العام الاقتصادي الوطني الجنوبي المشروع الاقتصادي الجنوبي الوحيد الموجود على الأرض والقادر على تحقيق الانتصار اقتصادياً"

 

وهكذا سينظر العالم اليوم إلى الانتقالي الجنوبي، ولن يكون متفائلاً عندما يجد أنَّ هذا الكيان بلا مشروع اقتصادي ورؤية واضحة لمستقبل الجنوب، ولا يتخذ العمل المؤسسي الجاد طريقه، ولهذا يكون لزاماً على القيادة الجنوبية مُمثلة بالقائد الزبيدي تلافي الأمور، والنظر من أفق واسع للحقائق على الأرض، وليس الاتحاد العام الاقتصادي الوطني الجنوبي الذي نسمع به منذ سنوات ببعيد عنّا، والذي قد يُمثّل الحل الأفضل للتخبط الذي يعيشه الانتقالي هذه الأيام، والذي سيكفل له تفوقاً سريعاً في ساحة الحرب الاقتصادية التي لطالما كانت بوابة لإجباره على تقديم التنازلات تلو التنازلات في حربه السياسية مع الخصوم.

 

لن يقدّم الانتقالي تنازلات وامتيازات من ثروة الجنوب لصالح ضباع العالم كما فعلت منظومة الاحتلال، ولن يقدم أيضاً فروض الطاعة للانتهازيين العالميين، لكنه يجب أن يمتلك مشروعاً اقتصاديا حقيقيا يمنحه التأييد الدولي لتحقيق ما يريده، ولتحقيق تطلعات شعبه، ومفتاح الحل والانتصار في هذا الميدان يكمن في العمل المؤسسي، وكمطلعٍ ومتابعٍ للوضع، يُشكّل الاتحاد العام الاقتصادي الوطني الجنوبي المشروع الاقتصادي الجنوبي الوحيد الموجود على الأرض والقادر على تحقيق ما ذكرت أعلاه، خصوصاً وأنَّه ثمرة عمل واجتهاد شخصيات جنوبية ذات كفاءة ومناضلة، وسبق أن حصلت على تأييد في عهد الإدارة الذاتية قبل أن يتم عرقلة مشروعها، وهذه رسالة للزبيدي: الضوء الأخضر وحده لا يكفي، يجب تمهيد الطريق أمام الاتحاد.