كتب/ يعقوب السفياني
"مهما كان نوع الحرب بأي زمكان، فإن الاقتصاد هو المحرك الأساسي"، عبارة لطالما رددها علماء ورواد هذا الحقل العلمي متزايد الأهمية باطراد. وبالفعل، يمثل الاقتصاد عصب أي دولة ونظام، والعمود الفقري الذي يستقيم عليه باقي الدولة، ويقاس عبره مستوى تقدمها وقوتها.
في جنوب اليمن، يعيش الجنوبيون مرحلة ما قبل تحقيق الهدف المنشود، استقلال دولتهم وعودتها كاملة السيادة والهوية؛ وهم على مقربة من نيل الاستحقاق الذي طال انتظاره لعقود، وأوقد دم الشهداء والجرحى جذوته، ومهد الطريق وطوعها له. ومع هذا الاستحقاق الكبير والدولة الوليدة التي توشك على الخروج للعلن، تأتي المسؤوليات الكبيرة.
الاقتصاد الجنوبي
يحفل الجنوب بثروات هائلة، أهمها النفط، والثروة السمكية، بالإضافة لاطلالته على أحد أهم الممرات المائية الدولية على الإطلاق، وهو باب المندب، وشريطه الساحلي الشاسع والمترامي الأطراف من عمان شرقاً، إلى عدن والمضيق غربا، وهو ما يؤهله ليكون في مصاف الدول المتقدمة، وقوة اقتصادية ضخمة في المنطقة بأسرها.
وعلى مدى ما يقرب ثلاثة عقود، تعرضت هذه الثروات والمقومات الاقتصادية للنهب والتخريب من قبل نظام حرب 1994 متعدد الأوجه والأحزاب. تحول الجنوب إلى منطقة تعاني من الفقر والفآقة، على غرار مناطق الشمال التي تعاني من كثافة سكانية عالية ونقص حاد في الموارد.
واليوم، بعد أن أضحى الجنوب قاب قوسين أو أدنى من التحرر بشكل كامل، وسيطرة القوى الوطنية الجنوبية التي انضوت تحت كيان سياسي شامل (المجلس الانتقالي الجنوبي) على 5 محافظات جنوبية (عدن، لحج، الضالع، أبين، سقطرى)، باتت الإصلاحات والاستراتيجيات الاقتصادية الكفيلة بالنهوض بهذا القطاع الحاسم في الدولة واجبة، وعلى وجه السرعة، خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي الشامل الذي تشهده البلاد ككل، والحرب الاقتصادية التي يشنها الأعداء على الجنوب.
إصلاحات
بشكل أساسي، يبقى تفعيل المؤسسات الاقتصادية المنظمة هو الإصلاح الاقتصادي الأكثر أهمية في الوقت الحاضر، وهو ما يبدو - للأسف - بعيداً عن أولويات المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم أنه يتفوق من حيث أهميته الراهنة على كثير من الأولويات الأخرى، وحتى العسكرية.
الاتحاد العام الاقتصادي الوطني، وهو تكتل اقتصادي جنوبي ضخم، يشمل عشرات المؤسسات الوطنية بمختلف القطاعات، يشكل اليوم الخيار الأبرز أمام الانتقالي لإعادة بناء الاقتصاد الجنوبي، وذلك عبر تبني خطط ورؤية هذا الاتحاد الذي أشرف عليه خبراء اقتصاديون دوليون وجنوبيون في خلق أرضية مؤسسية صلبة يستند عليها هذا الاقتصاد.
وتجدر الإشارة إلى اتباع نظام صنعاء استراتيجية السيطرة على ثروات موارد الجنوب عبر المؤسسات التي تعمل فيها غالبية شمالية محضة، ولا زال كثير منها يعمل في عدن ومدن جنوبية أخرى خاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة لرؤوس الأموال الشمالية التي نمت في ظل العشوائية والمحسوبية والنهب المستمر لثروات ومقدرات الجنوب، منذ احتلاله في صيف 1994.
استراتيجيات
- استعادة الدور الريادي للمؤسسات الوطنية الجنوبية، ومنح الاتحاد الاقتصادي الجنوبي الذي أنجز الجزء الأهم في هذه الاستراتيجية الصلاحيات الكاملة.
- تشجيع رأس المال الجنوبي والأجنبي على الاستثمار في محافظات الجنوب، وبالذات في مشاريع البنى التحتية والمصانع والصناعات الثقيلة.
- توفير بيئة اقتصادية واستثمارية آمنة وملائمة لجذب رؤوس الأموال الجنوبية والأجنبية إلى محافظات الجنوب.
- إعداد الدراسات المعمقة والمتكاملة الممهدة لفصل الجنوب مالياً، وتوريد إيراداته إلى بنوك وطنية جنوبية مستقلة.
- الاستعانة بالخبراء الاقتصاديين في الدول التي شهدت نهضة اقتصادية كبيرة مؤخراً، وبالذات اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا، وأيضاً الكادر الجنوبي المتميز في هذا المجال.
- إعداد القوة العسكرية لتحرير ما تبقى من أرض الجنوب، والتي تحتضن الثروة النفطية الجنوبية الكبيرة، وتشكل الجغرافيا الاقتصادية الأساسية في دولته القادمة.